ميرنا الصمدي
خرج الكثير من المحللين، والمؤولين، والخبراء السياسيين، والعسكريين، على الإعلام لتفسير ماهية الانفجار الذي أودى بحياة حوالي 40 قائداً من تنظيم أحرار الشام في ريف إدلب.
ومعظم من خرج من محللين وخبراء كانوا يخلطون الحابل بالنابل، ويربطون تنظيم الدولة الإسلامية بنظام الأسد. فكانوا يُرجعون سبب الموت القادة بدون تشوهات إلى أنه ناجم عن احتمالية تعرضهم للغازات السامة، تلك المواد لا يملكها إلاّ النظام السوري، ثم يقولون أن تنظيم الدولة الإسلامية هو الذي كان خلف التفجير. وإذا ما قيل لهم هل هذا يعني أن تنظيم الدولة الإسلامية يمتلك الكيماوي؟ يعيدون الأمور إلى النظام، فيدخلوا بعالم التأويلات التي تمسح معالم الحقيقة. وإذا ما أخذنا التفسير العقلي والمنطقي لما جرى، فإننا نستنتج -ومن خلال حيثيات الانفجار، ومكان التفجير، ومن خلال المعلومات الواردة من مكان الحادث- إلى أن القادة كانوا مجتمعين بمكان حصين جداً ومغلق. وهذا المكان يقع تحت الأرض.! ولا يمكن للنظام الوصول إليه على الإطلاق. خاصةً وأن الاجتماع كان سرّياً للغاية، و لا يعلم به سوى القادة أنفسهم. ومن خلال هذه الحيثيات نستطيع أن نستنتج ما يلي:
أولاً: الطيران خارج دائرة الشكوك، لأنه لا يمكن لعاقل أن يُصدق أن الطيران رمى قذيفة أو صاروخ فنزلت إلى داخل القبو، وأوقعت كل هذه الحصيلة من الشهداء. وإذا ما ذُكر الأمر على هذا السياق فإنه خارج نطاق المنطق والعقل. وهنا يجب علينا استخراج الطيران من دائرة الشكوك.
ثانياً: التحليل العقلي يقول: طالما أن الجميع كانوا داخل القبو. فهذا يعني أنهم في مكان مُغلق. وهذا يعني أن أي تفجير يحدث داخل القبو سوف يكون الموت المحتم هو مصير الجميع بدون استثناء، ومن لم يمت منهم عن طريق الشظايا. فأنه سيموت نتيجة الضغط الذي يولده الانفجار. ولا حقيقة ملموسة في متناول الجميع حول وجود أي استخدام للكيماوي. وكل ما قيل عن الكيماوي هو مجرّد تكهنات.
ثالثاً: تم عرض جميع قادة أحرار الشام على الأطباء. ولم يتم اكتشاف أي علامات تدل على استخدام الكيماوي. وهذا يدفعنا إلى إخراج موضوع الكيماوي خارج دائرة الشكوك أيضاً. والدليل العقلي الأقرب للمنطق يقول أنهم قُتلوا نتيجة الضغط الذي ولده الانفجار في المكان المغلق الذي كانوا يجتمعون فيه.
رابعاً: لو افترضنا أن النظام كان وراء العملية فعلاً. فهل سيقوم بتفجير المكان من خلال سيارة أو عبوة ناسفة؟ ولماذا لم يُقدم على هذه الخطوة منذ زمن؟. ومن خلال قراءتي لحيثيات الحادث من كل جوانبه. أرى أن احتمالية تورط النظام بهذه الجريمة هي احتمالية ضعيفة جدّاً لأنه لو كان بمقدوره فعل ذلك لفعله منذ زمن بعيد.
النتيجة، نحن أمام أحد احتمالين ولا ثالث لهما:
I.ألاّ يكون هناك أي متورط في هذه العملية. وقد يكون الانفجار ناجم عن خطأ عملياتي وقع داخل المقر، وأثناء وجود القادة. خاصةً وأن المقر يحتوي على مستودع أسلحة، ولا أستبعد هذا الاحتمال، لأن هناك حادثة مشابهة حدثت في حمص القديمة أودت بحياة 36 قائداً من حوالي أربعة أشهر.
II.أن يكون هناك اختراق حدث من قبل تنظيم الدولة الإسلامية تحديداً وهذا احتمال وارد أيضاً ولأسباب عديدة:
1-تنظيم الدولة الإسلامية يمتلك المعلومات الوافية عن تنظيم أحرار الشام أكثر من النظام بكثير، خاصةً وأن هناك الكثير من مقاتلي أحرار الشام انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية. وبالتالي زودوه بأدق التفاصيل عن اجتماعات القيادات وتحركاتهم.
2-توقيت الانفجار: فتنفيذ العملية بنفس الوقت الذي أعلن فيه الأمريكان عن طرح إستراتيجية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في سورية. واجتماع قادة أحرار الشام الذي يجمعهم بتنظيم تنظيم الدولة الإسلامية عداءٌ قديم. قد يكون سبباً دفع بتنظيم الدولة الإسلامية إلى ربط الأحداث ببعضها، واستنتجوا أن هذا الاجتماع عُقد من أجل محاربتهم بدعم أمريكي. خاصةً وأن تنظيم الدولة الإسلامية ينعت تنظيم أحرار الشام بالصحوات. وقد يكون هذا مبررٌ قوي جداً دفع بتنظيم الدولة الإسلامية للقيام بهذا العمل.
3-التوقيت ليس من مصلحة النظام إطلاقاً كي يقوم بقتل قيادات أحرار الشام بهذا الوقت تحديداً، لأنه على علم ويقين بالعداء القائم بين فصيل أحرار الشام وتنظيم تنظيم الدولة الإسلامية. وهو المستفيد الوحيد من هذا العداء، وليس من مصلحته إطلاقاً إنهاء فصيل أحرار الشام، وهو قد بات يشعر بالخطر الحقيقي من تنظيم الدولة الإسلامية، ويعلم علم اليقين أن فصيل أحرار الشام هو فصيل منظم ويمتلك القدرة على إضعاف تنظيم الدولة الإسلامية.
4-تنظيم الدولة الإسلامية يعلم علم اليقين أنه لا يوجد فصيل يقاتل بعقيدة مذهبية ثابتة سوى فصيل أحرار الشام، وهذا يعني أنه سيكون خصماً عنيداً جداً في ساحات القتال، لذا كان تنظيم الدولة الإسلامية يتحيّن الفرصة بين الحين والآخر لإنهاء فصيل أحرار الشام بالضربة القاضية. كي يبقَ هو المتصدر في واجهة الفصائل الإسلامية. خاصة وأنه يسعى بكل طاقاته للسيطرة على المنطقة الشمالية بأكملها، ولم يكن هناك عثرة تقف في وجهه سوى تنظيم أحرار الشام.
5-ضربة من هذا النوع قد تدفع بالكثير من مقاتلين أحرار الشام للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية.
أمّا ما قيل عن كيماوي وطيران وتأويلات خرافية، فأعتقد أنه بعيدٌ عن منطق العقل. وكل هذه التأويلات ساهمت في تشويه الحقيقة. والأَوْلى بقادة أحرار الشام أن يبدؤوا التحقيق بأصحاب المقر أنفسهم. لأن هذا الحادث إذا كان ناجماً عن اختراق ما. فهذا يعني أنه ستتلوه اختراقات أخرى. ولا بد من إظهار الحقيقة وتقديم الجناة إلى المحاكمة ومحاسبتهم، لأنهم لم يرتكبوا مجزرة بحق قادة أحرار الشام فقط. بل بحق الثورة السورية بأسرها.
اضف تعليق