بقلم: ماتثيو ايكينس
من صحيفة: نيويورك تايمز
7 / 7 / 2014
ترجمة: نهال عبيد
فيما أضاء مقاتل من الثّوار مصباحه اليدويّ على أجمّة من البطّانيّات والملابس المتناثرة في جميع أنحاء الطّابق السّفليّ، كنت أتساءل ما إذا كان هذا المكان الذي قضى فيه صديقي سلطان آخر لحظات حياته. إنّه أحمق، فهو يبلغ من العمر 22 عاماً، و كان يعمل في الصّيانة، وقال أنّه كان جزءاً من مجموعة نشطاء سوريين، وصحفيين، ومقاتلين أُلقي القبض عليهم من قبل تنظيم «دولة الإسلام في العراق والشّام»، ونُقل إلى هذا السّجن المؤقت في الطّابق السّفليّ من مشفى سابق.
كان المبنى بمثابة مقرّ لجماعة سنّية متطرّفة في حلب، أكبر مدينة سُوريّة، ولكنّه الآن عبارة عن أروقةٍ وممرّات خالية.
عن طريق الدّرج، وجدنا كابلاً طويلاً من الأسلاك النّحاسيّة المجدولة مع بعضها. التقطها واحدٌ من الثّوار، ولفّها بحركة قويّة، حيث ذكر أحد السّجناء السّابقين الذين كانوا محتجزين هنا بتعرّضهم للتّعذيب.
في الأسفل كانت هناك غرفة بمثابة كافتيريا، مع وجود علامات مكتوبة باللّغة الإنجليزية ممّا يدلّ على وجود الجهاديين الأجانب في صفوف تنظيم دولة الإسلام. وقد كُتب هناك «اتقِ الله! تذكّر أنّه يُراقبك، لذا يُرجى ألاّ تُهمل تنظيف الطّعام بعد أنْ تأكل»، ونصيحةٌ أخرى «إلى الأخوة الذين يرغبون في استقبال أسرهم من خارج سُورية التّنسيق مع مكتب خدمات المجاهدين».
بدأ تنظيم دولة الإسلام في سُورية ، كتنظيم تابع لتنظيم القاعدة في العراق، ولكنّها انشقت عنه في بداية هذا العام بسبب طموحاتها للتّوسّع في سُورية وتأسيس خلافةٍ جديدةٍ لنفسها. وبعد استيلائها المُذهل على مُعظم غرب العراق في الشّهر الماضي، ها هي تدعو نفسها الآن ببساطة: تنظيم دولة الإسلام!.
ولكنّ تنظيم الدّولة غادر حلب، بعد أن أُجبر من قبل ثوّار سورية المحليين على الرّحيل في كانون الثّانيّ. وهذا الانقلاب العسكريّ، كان واحداً من مجموعة قليلة من الانقلابات التي تُسلّط الضّوء على المُعضلة التي تواجه الغرب: إنّ أفضل الحلفاء المحتملين ضدّ تنظيم الدّولة هم الإسلاميّين السّنة الآخرين.
إنّ المقاتلين الذين رافقوني خلال زيارتي التي استغرقت أسبوعاً إلى حلب في منتصف حزيران، هم أعضاء من الجبهة الإسلاميّة، وهو التّحالف المهيمن لمجموعة من ثوّار المدينة، وجزء كبير من شمال سورية، فالجبهة الإسلاميّة هي الخصم الشّرس والفعّال لتنظيم دولة الإسلام، ولكنّه أيضاً على اتصال غير مباشر مع تنظيم القاعدة، وهي بعيدة كلّ البعد عن «أعضاء التّدريب المناسب للمعارضة المسلّحة السّوريّة المعتدلة» والتي طلبت إدارة أوباما مؤخرا 500 مليون دولار من أجل توظيفها في مجال التّدريب العسكريّ والتّمويل.
إنّ مقرّات تنظيم دولة الإسلام في حلب تمرّ فقط من مبنى كبير آخر والذي يعتبر بمثابة قاعدة لواء التّوحيد، واحدة من أكبر من سبع فصائل مقاتلة، والتي انضمت معاً في تشرين الثّانيّ لتشكيل الجبهة الإسلاميّة. وقد تواجد تنظيم الدّولة في حلب التي تسيطر عليها المعارضة منذ بداية عام 2013، ولكن بحلول نهاية العام بدأت التّوترات مع الفصائل المقاتلة الأخرى ووصلت إلى مرحلة الأزمة. ويَعتبر تنظيم دولة الإسلام نفسه دولةً ذات سيادة، ورفض قبول الوساطة لأي نزاع، وقام باختطاف من اعتبرهم نقاده وأعدائه، بما في ذلك الأشخاص الذين عملوا مع الصّحفيين الأجانب، مثل سلطان.
مقرّات الألوية أُغلقت. ففي يوم 7 كانون الثاني، قام تنظيم الدّولة بهجوم مباغت على مقرّ لواء التّوحيد، وفي اليوم التّالي قامت قوّات لواء التّوحيد بالتّصدّي لهم في جميع أنحاء المدينة، وحاصروا المشفى. وقال القائد الذي قاد الهجوم، والذي يُدعى باسمه الحركيّ أبو أسعد «لقد عزلناهم ومنعناهم من الحصول على أيّ دعم.
وفي حوالي السّاعة الثّالثة صباحاً، كان مقاتلوا تنظيم الدّولة قد حوصروا في المشفى، وبدؤوا بطلب السّماح لهم بمغادرة المدينة، وافق أبو أسعد، لأنّه لا يريد المزيد من إراقة الدّماء. وعندما فتّش أبو أسعد ورجاله المشفى عند بزوغ الضوء، اكتشفوا أنّ تنظيم الدّولة قام بذبح الأسرى. وقال أبو أسعد: «وجدنا مجموعة من الأجساد في كلّ عشرة أمتار، معظمهم أصيبوا بعيارات نارّية في الرّأس وهم مكبّلين». وقال: «بأنّ الضّحايا كانوا من الثّوار الحقيقيين والصّحفيين والأطّباء، وعندما عرفنا ماقام به تنظيم الدّولة، تمنينا لو أنّنا لم نسمح لهم بالنجاة أحياء.
بعد فترة ليست بعيدة، عُرضت لقطات سجلها المقاتلون، خمّلوها على موقع يوتيوب، تعرّفت على سلطان بين الجثث.
إنّ المعركة ضدّ تنظيم الدّولة في حلب، هي جزء من الصّراع الأكبر الذي بدأ في بداية هذا العام، بين الفصائل المقاتلة في جميع أنحاء المحافظات الشّماليّة من إدلب وحلب، بما في ذلك القوّة السّوريّة التّابعة لتنظيم القاعدة، جبهة النّصرة، والتي خاضت معركة ضاريةً لطرد تنظيم دولة الإسلام. وفي المواجهة ظهرت الجبهة الإسلاميّة البارزة، والتي تسيطر على معبر حدوديّ رئيسيّ مع تركيا في اعزاز، حيث لديها مايقدر بين 5000 إلى 60000 مقاتل، ويُعتقد أنّها أكبر وأقوى تحالف عسكريّ مقاتل في سورية.
فقيادة الجبهة الإسلاميّة سوريةٌ تماماً، وهدفها المركزيّ هو إسقاط «الرّئيس بشّار الأسد» ولها بيانات جيّدة في نظر الحكومات الغربيّة على أمل دحر تنظيم دولة الإسلام دون تعزيز قوّة النّظام السّوريّ. كما أنّ هناك العديد من أعضاء الفصائل الأقوى، بما في ذلك لواء التّوحيد وهو واحد من أكبر الفصائل المقاتلة في ضواحي دمشق، وجيش الإسلام وهو ليس بجيشٍ أيديولوجيّ بشكل خاصّ، وقد كانا حليفين مع الجيش السّوريّ الحرّ المدعوم من الغرب.
لكنّ الجبهة الإسلاميّة أبعد ما تكون عن العلمانيّة -وهي تتلقّى دعم الشّبكات الإسلاميّة بما في ذلك الأثرياء والجهات المانحة الدّينيّة في جميع أنحاء العالم الإسلاميّ، إضافةً إلى الإخوان المسلمين في سورية، وهي جماعة إسلاميّة في المنفى- كما أنّها أكثر إشكاليّة من منظور غربيّ، وواحدة من الأعضاء الرّئيسيين في تحالف، أحرار الشّام، ولها صلات بالقيادة الأساسيّة لتنظيم القاعدة. وتنسّق الجبهة الإسلاميّة كلّ عملياتها بشكل وثيق مع جبهة النّصرة.
وقد أفاد القادة الذين تحدّثت إليهم في حلب، بأنّ الجبهة الإسلاميّة لم تتلقَ أيّ مساعدات عسكريّة مباشرة من واشنطن، أو من الحكومات الغربيّة الأخرى. ولكن يمكنها التّأثير بشكل مهمّ على الغرب من أجل الوضع العسكريّ في سورية مع الاستمرار في تجنّب الجماعات الإسلاميّة. وهي الآن المهيمنة في صفوف الثّوار في ظلّ ضعف وانقسام الجيش السّوريّ الحرّ. وقال ريتشارد باريت، وهو مسؤول سابق في الاستخبارات البريطانيّة: «إنّ الجبهة الإسلاميّة هي حقاً اللاّعب الوحيد في المدينة إذا كنت تريد أن تهاجم تنظيم دولة الإسلام في سورية».
وكان قادة الثّوار في حلب قد رفضوا افتراض أنّ مجموعة الجيش السّوري الحرّ «علمانيٌّ» ومُرتبط بالحكومة في المنفى، ومدعومٌ من الغرب. وقالوا «إنّهم كمثل المنظّمات غير الحكوميّة». وقال أبو بلال، قائدعمليات لواء التّوحيد: «إنّهم يعرفون كيف يقولون ما يُريد المانحَ أن يسمعه». وإذا كانت واشنطن وشركاؤُها يريدون الدفع ضدّ كلّ من الأسد و تنظيم دولة الإسلام في آن واحد، فعليهم أنْ يكونوا أقلّ حساسيّة بشأن اختيار حُلفائهم في سُورية.
اضف تعليق