سعيد محمد
بكل بساطة قدّم وزير التنمية الإدارية حسان النوري، خطة عمل وزارته في حكومة الحلقي بنسختها الثانية، مبدياً استعداده لتنفيذ المهام الموكلة إليها، مشيراً إلى أن المشاكل التي تعاني منها الإدارة الحكومية في سورية، والإجراءات المطلوبة للمرحلة القادمة هي تحقيق تنمية إدارية حقيقية وملموسة لإصلاح وتطوير الإدارة،
هذه العبارة التي يتحدث بها النوري عن تطبيق التنمية الادارية في مؤسسات والدوائر الحكومية، تعود إلى عقود من الزمن. فالجميع يُنظّر ويتحدث عن حاجة مؤسسات القطاع العام إلى تطوير إداري، يبدأ من رأس الهرم وينتهي عند قاعدته. فالكلام النظري شيئ، والتطبيق العملي شيئاً آخر . فإذا عدنا إلى تاريخ تشكيل وزارة الشؤون التنمية الإدارية، فإن الأمر يعود إلى منتصف بداية الألفية الثانية، حيث كثر الحديث عن الإصلاح الإداري، واقتراح استراتيجية للتنمية الإدارية من خلال وضع أولويات تنطلق من تحليل ودراسة الواقع الحالي لمؤسساتنا، بالتزامن مع إطلاق عبارة ضرورة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب لنجاح أي عمل. ويردد كُثر من مسؤولينا الأشاوس التشديد على ضرورة تحقيق الإصلاح الإداري في جميع مفاصل مؤسسات الدولة.
لكن كيف سنطبق الاصلاح الإداري في مؤسسات القطاع العام، في ظلّ سيطرة المحسوبيات على إدارة هذا القطاع؟ وهل لدى النّوري استراتيجية وطنية تعني بنظام إدارة الأداء، وقياس الأداء المؤسسي، وتحسين الأداء والإنتاج معاً؟ وهل لديه الاطلاع الوافي على التجارب الإدارية الناجحة في بعض الدول المتطورة والمجاورة لتطبيقها في سورية؟ أشك في ذلك، لأن تغيير ذهنية التفكير لدى أغلب القائمين على مؤسسات القطاع العام على مدار عقود لم تتغيير، فنظام المحاصصة هو السائد، وعقلية المدير المركزية في القرار لن تؤدي إلاّ لمزيد من الفشل.
نعلم أن نظام المحاصصة هو السائد في تشكيل أي حكومة لدينا، ويخضع تعيين الوزراء بناء على المناطقية والأحزاب المنطوية تحت قبة الجبهة الوطنية القومية، ويومها كان حزب بكداش له نصيب بوزير بدون حقيبة يوسف الأحمد، وجاءت تسميته وزير الدولة للتنمية الإدارية، واستمر الوزير قائماً على منصبه لمدة عشرة أعوام ممثلاً الحزب، وخرج في التشكلية الأخيرة. والسؤال، ماذا فعل الوزير طوال هذه الأعوام على صعيد التنمية الإدارية؟ حتماً لم يفعل شيئاً سوى تنظيم بعض الندوات واللقاءات، لأن أي حديث عن تنمية إدارية في ظل وزير دولة لا يملك من كادره سوى السكرتير -وأمين سره، والسائق، والمراسل- ضربٌ من الخيال، وهذا دليل واضح أنه لم يكن في نية الحكومة أي فكرة في تحقيق إصلاح إداري أوتنمية، سوى بالشكل، في وقت تعتبر وزارة التنمية الإدارية من أهم الوزارات على الإطلاق في البلدان التي تؤسس بنية تحتية حقيقية لشعوبها، ووزارة التنمية الادارية هي التي تحقق التشابك مع الوزارات الأخرى، وتتلمس مشاكلها، وتقدم الحلول وتضع الاستراتيجيات. في حين اقتصرت لدينا على وزير دولة بدون حقيبة لإرضاء الشيوعيين فرع بكداش. فمن المعيب أن يتحدث النوري عن خطة عمل لوزارة التنمية الإدارية وهو الذي كان سابقاً يشغل ما يسمى وزير دولة للتنمية 2000-2002 ولم يحقق أي شيء مما كان يعلن عنه في تلك الفترة التي اعتبرت ذهبية بإطلاق التصريحات عن نقلة نوعية في الاقتصاد السوري، وهل سيغير النوري مهام سلفه السابق حيث كان يقتصر عمل وزير التنمية الادارية على التدريب والتأهيل. لدينا أكثر من تساؤل للسيد النوري: هل مشاكل القطاع العام تكمن في الإدارة التي يتم تعيينها من قبل الأجهزة الأمنية، أم في قلة الكوادرغير المؤهلة؟ وهل العلاقة ما بين الإدارة والمواطن تتسم بالشفافية والاحترام المتبادل؟ للأسف لم تُراعى هذه الشفافية على مدار عقود بين المواطن والإدارة، إذ كانت الأخيرة تنظر إلى المواطن نظرة دونية، وبعدم احترام، وبإقصائه عن اعتباره شريك رئيسٍ في نجاح أي مؤسسة، سواء كانت عامة أو خاصة.
إن المشكلة التي تعاني منها مؤسسات القطاع العام لم تكن يوماً في توفر الكوادر المؤهلة، بل في عقلية الزواريب التي تنتهجها الإدارات، والتي أوصلت مؤسسات القطاع العام إلى مستوى متدنٍ، وأصبحت شركاتنا عبارة عن خردة بشرية تحتاج إلى عشرات الآلاف من الخطط الخمسية للإصلاح، كما نحن بحاجة الى الاطلاع على التجارب الإدارية الناجحة في الدول المجاورة والمتقدمة، وضرورة الاستفادة من تجاربهم وفق واقعنا الراهن. وهناك مشاكل أخرى، كضرورة الاستجابة لتحديث القطاع العام من حيث توفير مستلزمات نجاحه من الكوادر، وتجديد آليات العمل، والاعتماد على الكادر المؤهل علمياً وإعادة هيكلية هذا القطاع.
ولا ننسى أن نُذكّر بفكرة النافذة الواحدة، فهذا الأمر لم يقف المسؤولون عن تداوله مرة، فكان طاقة النجاة لديهم عندما تحدثهم عن أي عملية إصلاح إداري، فأول ما يتبادر إلى ذهنهم النافذة الواحدة، ويتفاخرون بإحداثها. بينما في حقيقة الأمر نجد أن نافذة فرن الخبز تقدم خدمات للناس أكثر من النوافذ المفتوحة في مؤسساتنا الحكومية، فلا تسهيل لإجراءات إدارية بل تعقيد معاملات المواطنين هي السمة الأبرز.
حسان النوري قدم خطة وزارته على اعتبار أنه رأس الهرم في الوزارة، ولم يفكر على أساس العمل المؤسساتي، وهذا بحد ذاته يحتاج إلى ثورة في الإصلاح الإداري وتطبيق فكرة العمل المؤسساتي، فهل النوري قادر على إحداث ثورة في الإصلاح الإداري؟ جميعنا يشك في ذلك، لأن النجاح يبدأ قبل أي شيئ من احترامنا للمواطن، وهذا الأمر تم استبعاده منذ عقود من الزمن.
اضف تعليق