أجراه :حواس محمود
شهدت الساحتين العراقية والسورية في الأشهر الأخيرة أحداثاً ومجريات دراماتيكية، لا زالت آثارها تتفاعل حتى يومنا هذا، فبعد انسحاب قطعات كبيرة من الجيش العراقي من الموصل وغيرها من المدن العراقية في حزيران الماضي على إثر هجوم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على المناطق ذات الغالبية السنية. وقد تمدد تنظيم الدولة الإسلامية ضمن سورية بفعل امتلاك أسلحة تم الاستيلاء عليها من الجيش العراقي، فاحتلت مناطق كثيرة في دير الزور، واقتربت من حلب لتحاول اقتحامها، وهاجمت سنجار لتقتل وتحاصر الايزيديين، واقتربت من أربيل. فكان التدخل الأمريكي المحدود لإيقاف هجمات تنظيم الدولة الإسلامية، وسقط المالكي ليستلم حيدر العبادي رئاسة الوزراء في العراق. وضمن هذه المعمعة، دخلت بعض قوات حزب العمال الكردستاني والـ ( ب ي د ) على خط المعركة الجارية في سنجار ومناطق أخرى من العراق.
حول كل هذه المستجدات، حاورنا الأستاذ فؤاد عليكو عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكردي في سورية، وعضو برلماني سابق.
كيف تنظرون للثورة السورية وقد تجاوزت العام الثالث في ظل الأزمة الإقليمية الراهنة على إثر التدخلات ذات الطابع الإقليمي، ومن ثم الدولي؟
-لم يعد خافياً على أحد بأن الثورة السورية تمر في مرحلة حرجة بعد أن فقدت الكثير من المواقع الإسترتيجية عسكرياً، مثل ريف دمشق، والقلمون، وحمص، وريفها، وشرق حلب، ودير الزور، والحسكة، والرقة، سواء من قبل النظام أو من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، وذلك نتيجة عدم تلقيها الدعم العسكري المطلوب من قبل الدول التي تدعي صداقتها للشعب السوري. أما سياسياً، فإن الغطاء السياسي للثورة، والمتمثل بالإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، فهي أيضاً تعاني من حالة الإنقسام والشللية بين مكوناتها نتيجة الخلاف القطري التركي من جهة، والسعودي من جهة أخرى، بسبب التطورات التي حصلت في مصر، والتي انعكست سلباً على هيكلية الإئتلاف، وذلك باعتبار هذه الدول الدول الثلاث من أكبر الدول الداعمة للثورة السورية سياسياً واقتصادياً ولوجستياً، وبالتالي لم يعد الائتلاف قادراً على العمل كفريق موحد كما كان أو كما يفترض. كما أن الدول الغربية، وعلى رأسها أمريكا، لم تقم بأي عمل جدي لدعم المعارضة عسكرياً للوقوف على قدميها، والتقدم باتجاه إسقاط النظام، وكل ما فعلوه هو معالجة تداعيات الأزمة، وتقديم بعض المساعدات الإنسانية لا أكثر، ومعظم ما قدم تم عن طريق مؤسسات النظام، وعليه نستطيع القول بأن الثورة السورية ولدت يتيمة رغم كل التضحيات التي قدمت، لكن هناك بوادر أمل في الأفق، خاصة بعد أن أصبح تنظيم الدولة الإسلامية يهدد أمن المنطقة برمتها.
ما هو دور كرد سورية في رسم مسار التغيير في سورية بعد أن دخل تنظيم الدولة الإسلامية على خط خلط الأوراق في سورية والعراق؟
-أنتم تعرفون بأن الكرد السوريين متمثلين في تيارين سياسيين، تيارٌ متمثل في المجلس الوطني الكردي وهو التيار الأكثر شعبية في الوسط الكردي ووقف إلى جانب الثورة السورية منذ البداية، وشارك الشعب السوري في المظاهرات المعارضة للنظام، وتبنت شعارات الثورة في إسقاط النظام الدكتاتوري بكل رموزه ومرتكزاته، وهذا التيار عضو فعال في الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، ومصيره ومستقبله مرتبط بمصير الثورة ومستقبلها. والتيار الثاني متمثل بمجلس غرب كردستان وهو مجلس أسسه الـ «ب ي د» وهو جناح حزب العمال الكردستاني في سورية مع بعض القوى المؤيدة له، وهذا التيار أطلق على نفسه الخط الثالث أي لا مع النظام ولا مع المعارضة، ويملك قوة عسكرية كبيرة. وقد غض النظام النظر عن تمدده وانتشاره في المناطق الكردية، وتم تسليمه بعض المواقع والمناطق غير الإستراتيجية، والنظام يعتبره قوة موالية له رغم رفض قادة الـ «ب ي د» المتكرر لذلك، كما أن أنصار الـ «ب ي د» وبعد ن قويت شوكتهم مارسو، ويمارسون حتى الآن سياسة كم الأفواه لكل معارض لسياستهم، والتضييق على النشطاء من المجلس الوطني الكردي، واعتقالهم ونفيهم أيضاً. كما أصبح رفع علم الثورة السورية جريمة يحاسب عليها رافعوها، وعليه فإن كل طرف له مساره المختلف عن الآخر ، والتطورات السريعة القادمة في المنطقة سوف تفرز عن نتائج، قد يعيد الجميع حساباتهم من جديد وأين يجب أن يقفوا .
ما هو دور حزبكم (اليكيتي الكردي) ضمن الحركة الكردية، وضمن الائتلاف، في ظل ميلان ميزان القوى في المناطق الكردية لصالح الـ
(ب ي د) وهو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني في سورية؟
-إن حزبنا يعتبر أحد الأحزاب الرئيسة المؤسسة للمجلس الوطني الكردي، وله دوره الفاعل والمؤثر على الساحة السياسية الكردية وضمن المجلس الوطني الكردي الذي هو شريك أساسي مع قوى الثورة والمعارضة السورية، لذلك سوف نستمر ببذل كل جهدنا من أجل تفعيل دور المجلس الوطني الكردي
وتطوير أدائه على الصعيدين القومي والوطني، يقيناً منا بأن الجهود الفردية لم تعد مجدية في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ شعبنا، ولا يزال المجلس الوطني الكردي يملك الأرضية الشعبية الواسعة، رغم كل الضغوط التي يمارسها حزب الـ «ب ي د» من خلال القوة العسكرية التي يملكها، على غرار ما مارسه حزب البعث بحق الشعب السوري، وأعتقد بأن هذه المرحلة آنية وستزول بزوال الوضع الذي تمر به البلاد بشكل عام وانتصار الثورة على النظام الدكتاتوري. وهذه القوى المسيطرة على الأرض الآن لن يكون لها مستقبل في سورية، سواء أكان النظام، أم الـ «ب ي د»، أم تنظيم الدولة الإسلامية. والمرحلة القادمة حبلى بتطورات كبيرة على الساحة الإقليمية بشكل عام، والسورية والعراقية بشكل خاص. وسوف يندم الـ «ب ي د» على ما مارسه من قمع للقوى السياسية الكردية، وفرض رؤيته بالقوة، بدلاً من البحث عن المشتركات والعمل من خلالها، وكان من الممكن أن تشكل الإتفاقية الموقعة بين الـ «ب ي د» والمجلس الوطني الكردي في هولير 11-7-2012 الأرضية المناسبة للتفاهم بين الطرفين، إلاّ أنّ الـ «ب ي د» تنصل منها وأوصل الأوضاع إلى مانحن عليه الآن.
كيف تنظرون للتدخل الأمريكي المحدود في العراق ولماذا لم تتدخل أمريكا في سورية لإنقاذ الكرد في حين تدخلت في العراق لحماية الكرد؟
- الوضع في إقليم كردستان العراق مختلف تماماً عن الوضع في سورية، لأن أمريكا تنظر للعراق بشكل عام، ولكردستان العراق بشكل خاص، كحليف استراتيجي نتيجة التضحيات الكبيرة التي قدمها الأمريكيون في إزاحة نظام صدام حسين، ولن يقبلوا أن تذهب تلك التضحيات سدىً ويتركوا العراق لأعتى قوة تكفيرية في العالم اليوم، وتسلمها منابع النفط العراقي على طبق من ذهب. كما أن أمريكا بدأت تنظر للكرد كحلفاء استراتيجيين في هذه المنطقة الاستراتيجية عالمياً، كما أن تدخلها لا يلقي أي معارضة من أي جهة دولية، لذلك تدخلت مباشرة وحسم الموقف لصالح الإقليم أولاً، ولصالح العراق في المرحلة القادمة، أما بالنسبة لسورية فالوضع مختلف تماماً لأن النظام السوري له حلفاء إقليميين ودوليين أقوياء كإيران وروسيا يرفضون أي تدخل. ويكفي أن نستشهد بأن الروس والصين استخدموا الفيتو أربع مرات في مجلس الأمن ضد أي قرار يدين النظام السوري، وبالتالي فهما حذرتان جداً من أي تدخل عسكري في سورية، قد يكون الخروج منه صعباً للغاية، إضافة إلى هيمنة القوى الدينية عسكرياً على مفاصل الثورة السورية على الأرض كتنظيم الدولة الإسلامية التي لبست عباءة الثورة بدايةً، والنصرة وأحرار الشام والجبهة الإسلامية، وكلها قوى تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، وبعيدة عن كل ما هو مدني وديموقراطي، وبالتالي لا تكمن مصلحة الغرب وأمريكا في دعم قوى قد تشكل غداً وبالاً عليها، كما حصل لها من خلال دعمها لطالبان في أفغانستان ضد النظام الشيوعي هناك في ثمانينات القرن المنصرم.
ما هي انعكاسات الحدث السوري والعراقي على لبنان بعد أن ساد هاجس وخوف من انتقال عدوى تنظيم الدولة الإسلامية إلى لبنان؟
- لا شك، إذا لم يتم ردع هذه القوة البربرية التي اجتاحت سورية والعراق، والتي سيطرت على مساحة جغرافية تعادل ضعف مساحة سورية، وتمتلك إمكانات مادية وعسكرية هائلة، فإنها سوف تجتاح المنطقة برمتها، ولن تسلم دولة في المنطقة من تدخلها. ولبنان تعتبر الدولة الرخوة سياسياً وعسكرياً، وبالتالي سوف يكون لبنان هو الهدف الثاني بعد العراق وسورية، ومن ثم الأردن وهكذا. لكنني أعتقد بأن القوى الإقليمية والدولية، بما فيها القوى التي كانت تغض الطرف عن ممارساتها أو دعمها سراً تحقيقاً لأجنداتها الخاصة، أصبحت مدركة تماماً لخطورتها على المنطقة، وسوف تتعاون فيما بينها من أجل لجمها وتحجيمها، ومن ثم القضاء عليها رغم قساوة المعركة وطول مدتها.
ما هي رؤيتكم المستقبلية لكرد سورية، هل سيتفقون مع النظام على إدارة ذاتية يتم قوننتها والاعتراف بها من النظام، أم أن الكرد سيتحركون من جديد باتجاه الائتلاف لاستكمال الثورة السورية، وإسقاط النظام. وهل الظروف في هذه الحالة متاحة للكرد؟
- أعتقد أنه إذا ما بقيت سورية دولة موحدة بجغرافيتها الحالية، فإن أنسب حل للشعب السوري هو النظام الإتحادي الفدرالي، لأن نسيج المجتمع السوري تفكك بشكل كبير، ولم يعد ممكناً التحكم به من خلال نظام مركزي مهما كانت القوى التي تقف وراء هذا النظام. وبما أن الشعب الكردي جزء من الشعب السوري، فإن القضية الكردية سوف تجد طريقها للحل عبر النظام الفدرالي تلقائياً من خلال إقليم موحد، وبمشاركة كافة المكونات التي تتواجد في تلك الجغرافيا، وبالتالي لا معنى للإدارة الذاتية في الدولة الفدرالية. أما بالنسبة للشق الثاني، من السؤال فإننا لن نتخلى عن الإئتلاف السوري وقوى المعارضة ونذهب بمفردنا للحوار مع النظام.
ألا ترى أن الكرد أخطؤوا، أو بالتحديد الـ
«ب ي د» بالاتفاق مع النظام بصورة غير مقننة وغير معترف بها محلياً، وإقليمياً ودولياً؟
-بالتأكيد لقد ارتكبوا أكبر خطأ تاريخي في ذلك كان حين أعلنوا عن الإدارة الذاتية دون أي مرتكز قانوني، فهذه الإدارة لا تستطيع تسجيل طفل على اسم والده في السجلات الرسمية، ولا تزال جميع المرافق الإدارية تدار من قبل النظام ما عدا الجانب الأمني فقط، والنظام يعتبر هذا الجانب قوة رديفة له لاستتباب الأمن في تلك المنطقة لا أكثر ، وبالتالي لا ينطبق عليه مفهوم سلطة الأمر الواقع المتعارف عليه دولياً، ولا توجد أي صيغة قانونية بينها وبين النظام لنقل الصلاحيات الإدارية، لذلك مطلوب من الـ
«ب ي د» مراجعة جذرية لمواقفها تلك. وإلاّ كان اعتبر ما يُمارس الآن مجرّد قفزة في الفراغ والمجهول لا أكثر .
هل سيساهم تسليح الكرد في العراق في تمهيد الظروف لبناء الدولة الكردية في العراق ومن ثم في سورية؟
-أعتقد أن التفكير بإعادة النظر بخارطة سايكس/ بيكو الآن سابق لأوانه، لأن المجتمع الدولي لم يتفق بعد على إعادة النظر في الخارطة السياسية للمنطقة٬ لكن سوف تُبذل جهود كبيرة في التخلص من مركزية الدولة، وتشكيل أقاليم إتحادية منسجمة إلى حد ما، وذات صلاحيات واسعة على غرار ما هو قائم اليوم في دولة الإمارات العربية، وإذا ما فشلت تلك التجربة، ولم تتمكن مجتمعات تلك الدولة من التوافق على شكل الدولة واستمر الصراع، عندها يمكن الحديث عن تفكيكها وتأسيس دول جديدة.
كيف ترى طلب وليد المعلم من المجتمع الدولي مساعدة النظام في محاربة الإرهاب؟
- وليد المعلم يشعر بالنشوة اليوم لما يمارسه تنظيم الدولة الإسلامية من إرهاب وقتل للشعبين السوري والعراقي، وللجيش السوري في الرقة. لا لشيئ سوى القول بأن نظريته في الثورة السورية بأنها (مجموعة من المندسين والإرهابيين) أُثبتت عملياً. وهو يدرك تماماً بأنه قد بذل كل الجهود الأمنية السورية والإيرانية لتحقيق هذا الغرض، ودعم كل القوى المتطرفة من خلف الجدران، وقد أفرج بشار الأسد والمالكي عن كل الإرهابيين من السجون بطرق شتى. واليوم يريد أن يقطف ثمار جهده الطويل لربط الثورة بالإرهاب، ليعود منتصراً للمجتمع الدولي من بابه الواسع، بالمشاركة في القضاء على الإرهاب في سورية والعراق. وهو يحلم ويدرك أن هذا الباب هو الباب الوحيد الذي يستطيع الولوج فيه، ويتم تأهليه دولياً ويبقى على سدة السلطة في سورية، وتنتهي الثورة، وتذهب دماء الشهداء هدراً. لكن هيهات فعجلة التاريخ لن تعود للوراء أبداً، والنظام زائل مع الإرهابيين عاجلاً أم آجلاً.
اضف تعليق