محمد الحاج
«تمثيل ثوار الداخل سيء، والسبب بُعد هذا التمثيل عن الداخل السوري وعدم وجود احتكاكٍ الحقيقي.»، « ¬إقالة الحكومة أو تشكيل أُخرى، لا يعني أي جديدٍ في المعادلة السورية.» هكذا كانت آراء أغلب الناشطين حول مدى تمثيل ثوار الداخل في المعارضة السياسية، وأيضاً حول قرار إقالة الحكومة المؤقتة.
مضى على تشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ما يفوقُ العامين، أما الحكومة المؤقتة فقد مضى على تشكيلها أكثر من سنة، ولكن سؤالي هنا لن يكون: ماذا قدم هذان الجسمان للشعب السوري؟، بل سيكون السؤال بعد كل هذا الوقت: هل تحققَ تشكيلٌ عادلٌ يضمّ ثوار الداخل والخارج بشكلٍ متساوٍ؟
طرحت هذا السؤال، وأسئلةً أخرى على الناشطين محمد كيّاري، وساريتا، واللذان اتفقا في أغلب الأجوبة.
الناشط محمد كيّاري كان رأيه بالمعارضة السياسية، بأنها المعارضة التقليدية لنظام الأسد، والتي كان يفترض أن تكون مظلةً للثورة وصوتاً لها، لكنها في الواقع كانت معارضةً مُتشرذمة، أكثر ما مثلته هو التقاء المصالح والأحزاب والولاءات، وبالتالي عجزت عن أن تكون مفيدةً للثورة، شخصياً لا أرى فيها إلا مرمىً لسهام غضب السوريين، أهم ما تتصف به هذه المعارضة أنها تُعد من ذوات الدم البارد، لا تُحرِّك ساكناً، مُتأخرةٌ جداً عن حراك السوريين. أما من ناحية تمثيلها للسورين فلم ترتق المعارضة لتطلعاتهم ولا تُمثل الكثير منهم، لأنها بالمجمل قائمةٌ على التقاء تحالفات.
ساريتا والتي تعمقت أكثر في الإجابة قالت: «المعارضة السياسية كانت ولا زالت على شَتاتٍ كبير، منذ بدايات الثورة السورية، حيث كانت متمثلةً ببضعة أفرادٍ ممن امتهنوا العمل السياسي غالباً، إلى أن تتطور الشكل العام لما يسمى المعارضة السياسية، فأصبح لدينا هيئاتٌ ومجالس … الخ كلها لتضم أولئك «المعارضين» تحت مسمياتٍ عدّة، وقليلةٌ هي المواقف التي تبدت فيها كمعارضةٍ حقيقية قادرة على الأخذ بزمام العمل على الأرض السورية. أتفق مع محمد، فبُعد المعارضة عن الواقع السوري بأحداثه ويومياته وآرائه، لا يتيح لها تمثيل السوريين في حقيقة الأمر، من الممكن أنها تنقل أحياناً مطالب السوريين، وتحاول التعبير عن أوجاعهم بشكلٍ أو بآخر، والمناداة لمساعدتهم، لكنها في آخر المطاف لم تستطع تمثيل السوريين تماماً، فكل هيئةٍ تراها تابعةً لفكرٍ أو طرفٍ أو حزبٍ معين، تمثل توجهاته دون الالتفات الحقيقي للسوريين ككل.»
كيّاري رأى أنّ هذه التكتلات لا تمثل ثوار الداخل، لأنه ومن حيث الشكل تم ائتلافها من شخصياتٍ قد تكون بعيدةً عن الداخل منذ سنواتٍ طويلة، أو شخصياتٍ قد تكون أكاديميةً أكثر من كونها قريبةً من الشارع السوري، فلا مكان فيها لما يُسمى ثوار الداخل. «وهنا يجب علينا أن ننوه إلى أننا لا نستطيع أن نقول عنهم جميعاً (ثوار)، لا أستطيع أن أطلق على المعارض الخارجي اسم ثائر، الثائر برأيي هو الشخص الموجود في الداخل على مقربةٍ وتماسٍ من السبب الذي ثارَ عليه، أما من كان بعيداً عن الحدث، فهو معارضٌ و ليس ثائراً.»
ساريتا أيضاً ترى أن تمثيل ثوار الداخل في المعارضة السياسية سيء، والسبب بالتأكيد بُعدها عن الداخل السوري وعدم الاحتكاك الحقيقي بما يجري على الأراضي السورية.
وأكدت على أن المعارضة لا تمثل الطرفين بشكلٍ عادل، فهي مكونةٌ من بعض الشخصيات الذين يتبعون في غالبيتهم لأجنداتٍ معينة، أو إن كانوا مستقلين فهم غالباً ما مثلوا أراءً محدودة، لعلَّ المشكلة برمتها تكمن في أنهم ليسوا ثواراً بالفعل، فكلُّ ثائرٍ هو معارضٌ حتماً، ولكن ليس كلُّ معارضٍ هو ثائرٌ في الواقع، الثائر من يعمل على أرض الثورة، فيكون ابناً لها، هو من تتملكه روح الثورة الحقيقية فتراه ينقل بكل أعماله أشكالاً من الثورة، أما المعارض السياسي فيكتفي بآراءٍ وتحليلاتٍ لما يجري على أرض الثورة. الثائر يعمل، والمعارض يحلّل ويفنّد عمل هذا الثائر، فشتان بينهما.
فلو أن المعارضة عملت داخل الحدود السورية لتجنبت الكثير مما تعرضت له من صعوبات التواصل الحقيقي مع الداخل، وصعوبات تمثيله، وفهم الواقع كما هو عليه، ولربما استطاعت أن تكتسب خبرةً عمليةً لقيادة البلد، وهذا ما نفتقر إليه تماماً، على عكس ما يجري الآن، فلو كانت المعارضة تعمل في الداخل لاستطاعت الاهتمام بكثيرٍ من الأمور الإدارية التي كان يجب فعلياً أن تكون من مهامها، لا أن تقع على عاتق الثوار ممن حملوا السلاح، ولكانت قد مثلت السوريين فعلاً إلى حدٍ كبير.
يوافقها كيّاري في هذه النقطة بالذات: «بالتأكيد لو أن المعارضة كانت تعمل في الداخل لكانت الأمور أفضل حالاً، و لكنّا لمسنا على أقلّ تقدير الكيان البديل للنظام بأدنى حدٍّ من منظومته المؤسساتية، لا أن تكون كما هي الآن، فوضى منقطعة النظير في كل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة!.»
في قرار مفاجئٍ تمّ اتخاذُه من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بإقالة الحكومة المؤقتة بشكلٍ كامل، طُرح التساؤل التالي: هل من الممكن أن يولد تشكيلٌ جديدٌ بدلاً عنها في الداخل السوري، يأخذ ثوار الداخل فيه حقهم الكامل في التمثيل والنصاب؟
كيّاري كتب قائلاً : «¬إقالة الحكومة أو تشكيل أُخرى، لا يعني أيَّ جديدٍ في المعادلة، لأن تغيير الوجوه لا يُغيّر في المعطيات على الأرض.»
ساريتا كانت أكثر تفاؤلاً من كيّاري حيث قالت: «من الممكن أن يولد تجمعٌ يضمُّ ثوار الداخل في حال تغيرت الطرق والأشخاص القائمين على هذا التغيير، ولكن إذا لم يتحقق تغييرٌ جذريٌّ في الآليات فلن نصل إلى أي جديد.»
على ما يبدو أنني لم أستطع أن أحصل على أيّ رأيٍ مخالفٍ لرأي أغلبية الناس، والذي تمثّل في عدم تمثيل الائتلاف والحكومة للشعب السوري، وعدم تمثيل ثوّار الداخل -وهم الذين مازالوا يضحّون- بأيّ تشكيلٍ سياسيٍ، على الأقل لأخذ رأي من يموت على هذه الأرض فداءً لها. أليس من المفترض أن تتساءل هذه التشكيلات على أسباب عدم تمثيلها للسوريين؟ وإذا كانت بالفعل تعمل لصالح سوريا والشعب السوري، لماذا لم نرَ أيّ تواصلٍ جديٍّ صريحٍ وشفاف من قبلها مع الناشطين لحلِّ أزمة الثقة بينهم؟.
اضف تعليق