شمسه شاهين
ساهم الهدوء والاستقرار الأمنيّ في المناطق الكرديّة في سورية في تكوين بيئة خصبة لنموّ ونشاط الحراك المدنيّ، والذي تجسّد بتشكيل العديد من «منظّمات المجتمع المدنيّ» المُهْتمّة بمختلف شؤون الحياة، من ثقافةٍ، وإعلامٍ، وطفولةٍ إلى تمكين المرأة. إضافةً إلى قيام العديد من المنظّمات الدّوليّة أو السّوريّة، عبر افتتاح مراكز ومقرّاتٍ لها لتكون مراكز تُوفّر فرص التّدريب واكتساب المهارات.
هذا مع عدم تجاهل أنّ «المجتمع المدنيّ» لا يعني طلاق السّياسة وتجنّب الاقتراب منها. بل على العكس، أساسه السّياسة كـ «رقابة» وليس كممارسة، فهو «الحيّز المستقل بينهما»، وناشط المجتمع المدنيّ هنا يقوم بوظيفتين: فمن جهة، هو يعمل لكي يحمي السّلطة من الانزلاق نحو الاستبداد، ومن جهة أخرى يقف إلى جانب المجتمع ويقوم بتوعيّته ووقوفه على قدميه، وذلك من خلال تقديم دراسات، أو مذكّرات، أو استخدام وسائل الإعلام، لذا فإنّ الأحزاب الكرديّة بمنظماتها المختلفة كانت أيضاً جزءاً من ذلك الحراك.
أضف بأنّ هشاشة البنية السّياسيّة لعب دوراً سلبيّاً في التّأثير على مفاهيم وممارسة «الدّيمقراطية»، لتبدو وكأنّها تجسيدٌ للمصالح الخاصّة، فغياب القانون يُنمّي نزوعاً قوياً إلى البحث عن المواطنة، والعموميّة، والمصالح الوطنيّة والحريّة. الأمر الذي أصبح إحدى الوسائل الموظّفة والمستعملة لخدمة المصالح السّياسيّة، وهذا يعني أنّ ما يحدث -في هذا النموذج- هو السّعي إلى قلب المعادلة، وتأزيم الوضع، من خلال محاولتهم بناء العامّ من داخل الخاصّ، أي إعادة تكوين نظامهم وولادته من قلب المجتمع. وتظهر تبعيّة الاستعمال العموميّ للاستعمال الخصوصيّ على صعيد داخليٍّ في عسكرة المجتمع المدنيّ وراء برنامج الحزب الواحد، أو العمل بفكرة «المجالس المحليّة، أو الشّعبيّة»، وتصنيع الجمعيّات والأحزاب، أو السّيطرة عليها فتبدو التّعدديّة ظاهراً جميلاً، ولكن في باطنها انغلاق خانق.
المجتمع المدنيّ في الجزيرة السّورية مازال مسألة نخبة، ولم يعمَّ الوعي الذي يجعل المجتمع المدنيّ واقعا جماعياً، ويبقى تُراثنا من أكبر العوائق التي تحول دون تعميم هذا الوعي.
خارطة منظّمات المجتمع المدنيّ
تمّ إحصاء أكثر من خمسين منظّمة مجتمع مدنيّ في منطقة الجزيرة، تُعنى بمختلف مناحي الحياة، وغالبها يفتقر إلى أيّ إستراتيجيّة عمل أو توثيق، وذلك في ظلّ غياب الدّعم والتّمويل الذي يسهّل العمل والأداء.
إضافة إلى ذلك، توجد حوالي 15 منظّمة حزبيّة يديرها الشّباب، تركّز على تفعيل دور الحزب في الحياة العامّة، وتساهم في تقارب وجهات النّظر في الشّارع بين مختلف الفئات.
خطوات متعثّرة في بناء المجتمع المدنيّ
تقول ألين خلف وهي ناشطة في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدنيّ: «كثيرة جداً هي المعوقات التي تقف في وجه المجتمع المدنيّ، فمبرّرات ضعفها هي حداثة التّجربة، ورغم ذلك فإنه ينبغي لمنظّمات المجتمع المدنيّ أنْ تنضج بتجربتها مع الوقت. وفي تصوّري، ليس المهمّ بأيّة سرعة تبلغ درجة الرّشد المطلوبة، بقدر أهميّة نزاهة الدّوافع في تأسيس تلك المنظّمات. مع الفارق في أنّ القائمين عليها هم أقلّ إصابة بأمراض القائمين على الفعل السّياسيّ من حيث التّهافت على المواقع والمناصب، وما يتأتّى من كسب عبر ذلك.
إنّ مجتمعنا يريد بناء واقع جديد قائم على أسس ومبادئ الدّيمقراطيّة، ولا يمكن له النجاح فيما يسعى إليه بدون منظّمات مدنيّة فاعلة حقاً، ومن الطّبيعي أنْ نجد بعض السّياسيين ينظرون بريبة وعدم ارتياح لهذه المنظّمات لأنّها تمثّل آليات رقابة إضافيّة عليهم. ولابد لنا من التّأكيد على استقلاليّة هذه المنظّمات عن مؤسّسات الدّولة، وبالتّالي لا مبرّر لوجود وزارة باسم المجتمع المدنيّ لأنّها تقيّد حركة المنظّمات. إذ يرتبط نجاح المنظّمة واستمرارها في العمل بصدقتيها وأدائها المتميّز ولا تجعل في أهدافها غير المعلنة تحقيق الأرباح فقط.
اضف تعليق